الاقتصاد المعرفي: الابتكار والإبداع
لطالما ارتبط الاقتصاد بعناصر أساسية هي السلطة السياسية والموارد الطبيعية والمال والقوى البشرية، فقوة هذه العناصر أصبحت اليوم تُحَدَّدَ عبر المعرفة ومدى قوتها وتطورها وقراءتها للمتغيرات الدولية.
ويضرب لنا الاقتصاد المعرفي أمثلة في تقدم دول لا تمتلك موارد طبيعية، بل تمتلك المعرفة التي جعلتها تستورد الموارد وتحولها إلى صناعات ومنتجات تسجل باسمها وتدخل في قوة اقتصادها، إلى جانب تحويل المعرفة إلى اختراعات واكتشافات، وخدمات حيوية متعددة كالطبابة وفرص الاستثمار والسياحة يمكن تسويقها داخلياً وخارجياً.
ويعد أهم مؤشر للاقتصاد المعرفي هو الابتكار/ الإبداع الذي يكون نتاجاً لتضافر وتوافر عوامل عدة وجهود متداخلة ومتكاملة. مما لا شك فيه بأن الابتكار/الإبداع يتضمن أبعاداً متداخلة شاملة، فهناك الإداري والفني والتقني والعلمي والتعليمي، فالإبداع الإداري يؤدي إلى العلمي، والعلمي إلى الفني، والفني إلى العلمي، وهكذا، أبعاد متكاملة ومتداخلة.
على سبيل المثال، تمتلك دولة الإمارات اليوم البنية التحتية المبنية على تقنيات المعلومات والاتصالات والخدمات الإلكترونية، إلى جانب أطر الحوكمة عبر توفير كل التشريعات القانونية والإدارية الهادفة إلى زيادة النمو الاقتصادي، وتكوين الصناعات، وجذب الشركات وحفظ حقوق الملكية وحل المنازعات، ناهيك عن اهتمام الإمارات بالعامل الرئيسي وهو التعليم بكل مراحلهِ. ولا ننسى كون الإمارات مستثمراً دولياً مهماً في شتى المجالات التقنية والصناعية والخدمية والزراعية.
توفر دولة الإمارات شبكة معرفية محلياً ودولياً، حيث تنتشر المكتبات العامة وجودة التعليم، ومراكز تنمية المواهب، والمتاحف، والمسارح ودور الفن المختلفة، والأندية والتجمعات الأدبية، ونشر المعلومات عن الاختراعات والشخصيات المفكرة والعالمة والمثقفة عبر الوسائل الإعلامية الحديثة لنشر المعرفة والتحفيز على البحث وخلق الأفكار والابتكار.
وهناك التفاعل على المستوى الخارجي مثل البعثات الدراسية الخارجية، والملتقيات الثقافية والعلمية والوطنية والتعليمية، والجوائز العلمية والمعرفية والبحثية وتبني الأفكار، والتواصل مع المؤسسات الرائدة في التعليم والتدريب والبحوث، ومتابعة المتغيرات الإقليمية والدولية عبر مراكز خاصة، وأيضاً عبر سلوك الأفراد.
وفي أهمية قراءة المتغيرات أضع هنا تجربتي عندما زرت متحف شركة Philips في مدينة اَيندهوفن الهولندية، فقد أدركت بأن الشركة واكبت المتغيرات والمنافسة في الصناعات والابتكار من المصابيح، والأجهزة المنزلية كالتلفاز والراديو والمكواة والحلاقة مع الهواتف وألعاب الفيديو ذات اللعبة الواحدة، واختراع الكاسيت، والأجهزة الطبية وغيرها العديد، فكل تلك الصناعات بين الاستمرار والتطوير والانقراض من السوق.
الخلاصة الإبداع والابتكار عملية تراكمية على مستوى الشركات والمؤسسات والأفراد، ففي الأفراد نواة كل ابتكار وإبداع تبدأ من مراحل عمرية مبكرة، لذا من الأهمية صقل مواهب الفرد، على سبيل المثال، تستطيع المؤسسات المعنية كالتعليمية مثلاً، التواصل عبر البريد الالكتروني/ الرسائل الهاتفية SMS/ محادثات هاتفية/المواقع الاجتماعية، وذلك لتعزيز المعرفة والتحفيز على البحث والمتابعة والتميز، ويجب مراعاة مراحل العمر والوضع الأسري والصحي.
وفي الرسائل المحفزة، نجد في خطابات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، رسائل تحفيزية للشباب والشابات، وهذه الرسائل لها الأثر الأكبر في خلق الابتكار والإبداع، والذي يمثل المؤشر الرئيسي للاقتصاد المعرفي.
* كاتب ومحلل سياسي